الاثنين، 20 يونيو 2011

الدرس الأول : مقدمة عن الزراعة المائية أو اللا أرضية

مقدمة:                                       
     الهيدروبنكس Hydroponics أو نمو النباتات فى المحاليل المغذية بدأ فى التطور  منذ التجارب الأوليه التى أجريت لمعرفة تركيب النبات و المواد التى تسبب نموه بواسطة العالم البلجيكى Jan Van Helmont سنة 1600، إلا أن نمو النباتات بهذه الطريقة كان قبل ذلك بكثير، حيث تعتبر حدائق بابل المعلقة وحدائق المكسيك والصين العائمة أمثلة للهيدروبنكس،  بل إن الأكثر من ذلك هو ما سجلته اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة من تنمية النباتات فى الماء منذ عدة مئات من السنين قبل الميلاد.
        وسار على درب Van Helmont كثير من الباحثين والعلماء، ومع تطورعلوم الكيمياء أمكن التوصل إلى مكونات النبات والمواد التى يحتاجها للنمو والتى عرفت بالعناصر المغذية واستطاع العالم الألمانى Sachs  سنة 1860 و زميلهKnop  سنة 1861  زراعة النباتات وتنميتها فى محلول مائى Water solution به العناصر المغذية التى تحتاجها بدون الاستعانة بأى بيئة نمو، وعرف هذا النظام بــمزارع المغذيات Nutriculture" " وهو النظام الذى ما زال يستخدم فى معامل فسيولوجيا وتغذية النبات حتى الآن ويعرف باسم الـ  Hydroponics . وأول من أطلق مصطلح الـ Hydroponics على مزارع المحاليل المغذية العالم Gericke  بجامعة كاليفورنيا سنة 1929. ففى الفتره من سنة 1925 إلى سنة 1935 نشطت البحوث بهدف تطوير وتحوير تقنية مزارع المغذيات Nutriculture للاستخدام التطبيقى خارج إطار المعمل والبحوث الأكاديميه لاستغلال الأراضى الواقعة تحت الصوب الزراعية بعد ظهور كثير من المشاكل فى بنائها وخصوبتها، بالإضافة إلى الإصابة بالأمراض الفطرية والحشرية، وكانت تجارب Gericke الرائدة فى هذا المجال حيث قام بزراعة عدة محاصيل درنية مثل: الجزر واللفت والبنجر والبطاطس، بالإضافة إلى محاصيل الحبوب والزهور والخضر فى تنكات وأوعية كبيرة بها المحاليل المغذية، واستخدمت هذه الطريقه منذ سنة 1940  فى الباسيفيك  لزراعة الأراضى غير الصالحة للزراعة.
        والهيدروبنكس Hydroponics  كلمة يونانيهة تتكون من مقطعين الأول Hydro بمعنى الماء، والثانى Ponics بمعنى العمل ليصبح المعنى "عمل الماء" أو "المزارع المائية"- وذلك للتفرقة بين هذه الوسيلة وبين الزراعة باستخدام التربة والتى يطلق عليها باليونانية Geoponics - إلا أن الماء H2O  لا يستطيع بمفرده أن يمد النباتات النامية فيه إلا بعنصرى الأيدروجين والأكسيجين، وبالتالى يحتاج إلى إضافة باقى العناصر المغذية للنبات Essential elements فيتحول الماء إلى محلول للتغذية، ولذلك فإنه من الأصوب التعبير عن الهيدروبنكس بأنها "مزارع المحاليل المغذية أو مزارع المحاليل" بدلاً من القول بأنها "مزارع مائيه".
        ثم أخذت الزراعة اللاأرضيه بعداً آخر من الناحية التطبيقية أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية منذ سنة 1945، حيث قام الجيش الأمريكى فى اليابان بعمل مزرعة لاأرضية (وكانت بيئة النمو هى الحصى Gravel) وذلك على مساحة 22 هكتاراً (حوالى 55 فداناً) فى إحدى ضواحى مدينة طوكيو لإمداد جنود قواته بالخضروات النقية والطازجة. وفى سنة 1950 بدأ انتشار طرق الزراعة اللاأرضيهة فى عدد من دول العالم مثل: إيطاليا و أسبانيا و وفرنسا و إنجلترا و ألمانيا و السويد والإتحاد السوفيتى السابق وفلسطين المحتلة فى مساحات محدودة. وبتطور صناعة البلاستيك  -  والمضخات المائية وساعات ضبط الوقت وغيرها من الأدوات المستخدمة فى مثل هذه الأنظمة - أخذت الزراعة اللاأرضية خطوة واسعة إلى الأمام، حيث تحولت من نظام للزراعة إلى تكنولوجيا زراعية تستخدم فيها الميكنة الخاصة بها والحاسبات الآلية مما يقلل من مصاريف الإنشاء والتشغيل فى آن واحد مقارنة بما تحققه من إنتاج كبير، وبدأت دولاً كثيرة تطبق أنظمة الزراعة اللاأرضية مثل: هولندا - إستراليا - بولندا - جزر الباهاما - جنوب إفريقيا - البرازيل - شيلى - سنغافوره - ماليزيا - إيران - أبوظبى - الكويت.
      وأنواع المزارع اللاأرضية أصبحت من الكثرة بحيث أصبح عدد طرق الزراعة بها يساوى تقريبا عدد البيئات المستخدمة فيها، ومثال ذلك المزارع الرملية - مزارع الحصى -  مزارع الفيرمكيوليت - مزارع البرليت - مزارع الصوف الصخرى - مزارع نشارة الخشب - مزارع صوف الخبث - مزارع البازلت ومزارع الحجر الخفاف، ومزارع بالات القش، ومزارع المحاليل المغذية ....إلخ. كما ظهرت مسميات أخرى على أساس طريقة التغذية مثل طريقة الأغشية المغذية  Nutrient Film Technique (NFT) وطريقة المحاليل الساكنة Static Solution Culture ومنها المحاليل العميقة Deep Solution أو السطحية Shallow Solution والتغذية بالرذاذ Mist والتغذية تحت السطحية Sub-Nutrition  والتغذية بالجذور المنشقةSplit-Root Nutrition  الخ.
        وبصفة عامة فإنه يمكن القول بأن مزارع المحاليل المغذية أو الـ Hydroponics هى حجر الأساس الذى إرتكزت عليه الزراعات اللاأرضية وتعرف على أنها تكنولوجيا إنماء النباتات فى المحاليل المغذيه مع استخدام أو عدم استخدام بيئه خاملة كعامل تثبيت ميكانيكى (مثل: الرمل - الحصى - نشارة الخشب - الصوف الصخرى…إلخ) وغالباً ما يكون المحلول فى حالة دوران Circulating  فى نظام مغلق Closed system (حيث يـعاد استخدام المـحلول أكـثر من مرة) أو غـير متـحرك Static or non-circulating فى نظام مفتوح Open system (أى يستخدم المحلول مرة واحدة). وبالتوسع فى هذا المجال ظهر اصطلاح Soilless culture وتعنى الزراعة بدون تربة  أو أرض أو "الزراعة اللاأرضية" وكلها تعنى إنماء النباتات فى بيئات خاملة صلبة (من غير التربة الطبيعية) مع التغذية بالمحاليل المغذية ومع الفرق الواضح بين الـ  Hydroponics , Soilless culture إلا أنهما يعنيان الزراعة بعيداً عن التربه أو الأرض الطبيعيه أياً كانت طريقة أو وسيلة النمو مما يجعل مصطلح الزراعة اللاأرضيه ومرادفاتها مصطلحاً جامعاً لكل طرق الزراعة التى لا تتخذ من الأرض بيئة ومهداً لنمو النباتات، وبالتالى تكون عملية التغذية بالعناصر الغذائية الأساسية وبالكميات المحسوبة والمتوازنة أهم الأسس التى تعتمد عليها هذه الطرق من طرق الزراعة الحديثة.
        ومن خلال التطبيق العملى للمزارع اللاأرضية فى كثير من دول العالم، وجد أنها تحقق عدة مزايا و أهداف من الأهمية بمكان أن توضع فى الاعتبار عند صانعى قرار السياسات الزراعية على مستوى الأفراد و المجتمعات والدول حيث إنها:
1- لا تحتاج إلى أرض زراعية خصبة وبالتالى توجد حيث لا يمكن أن توجد زراعة.
2- كفاءة عالية فى استخدام مياه الرى حيث لا يوجد فقد لها إلا الفقد عن طريق النتح مما يوفر من 20-50 % من المياه المستخدمة فى حالة الزراعة فىالتربة، بالإضافة إلى ذلك فإن نوعية المياه ذات الخطر التمليحى والتى تسبب مشاكل عند استخدامها فى التربة يمكن استخدامها فى الزراعة اللاأرضية.
3- كفاءه عالية فى استخدام الأسمدة حيث لا يوجد فقد ولا تثبيت.
4- لا تحتاج إلى العمليات الزراعية التقليدية (حرث - عزيق - تنقية حشائش..... إلخ) مما يوفر كثير من العمالة.
5- المحاليل المغذية وبيئات النمو من السهل تعقيمها، وبالتالى التغلب على مشكلة إصابة جذور النباتات بالأمراض.
6- تجانس المحلول المغذى وفى الوقت نفسه من السهل ضبط تركيز العناصر به مما يؤدى إلى أفضل نمو.
7- التكثيف الزراعى وزيادة عدد النباتات فى وحدة المساحه مما يؤدى إلى زيادة المحصول.
8- تحت نفس الظروف البيئية فإن المزارع اللاأرضية تعطى زياده فى المحصول من 4-10 مرات عن مثيلتها فى الأراضى تحت الصوب الزراعية.
9- فى ظروف الإضاءة الجيدة فإن ثمار المحاصيل تنضج أسرع فى المزارع اللاأرضية، كما أن خواص الجودة للثمار يكون أفضل وعمرها التخزينى أطول.
10- نتيجة لارتفاع المحصول وجودته فإن العائد الاقتصادى يكون مرتفعاً.

        وإجمالاً فان الزراعة اللاأرضية تتميز عن الزراعة التقليدية فى الأراضى الطبيعية بارتفاع كفاءة التغذية للنباتات، مع الكفاءة العالية فى استخدام الأسمدة والتسميد وزيادة كثافة النباتات. كل هذه المزايا تقود فى النهاية إلى زيادة الإنتاج فى المزارع اللاأرضية مقارنة بالزراعة التقليدية فى الأراضى الزراعية (جدول 5-1).
جدول (5-1)
 يوضح إنتاج بعض المحاصيل (طن/إيكر) فى الزراعة  التقليدية فى الأراضى مقارنة بالزراعة اللاأرضية
المحصول
الزراعة التقليدية فى الأراضى (طن/إيكر)
الزراعة فى المزارع اللاأرضية (طن/إيكر)
الفول
5
21
البسلة
1
9
البنجر
4
12
البطاطس
8
70
الكرنب
5.9
8.2
الخس
4.1
9.5
الطماطم
5-10
60-300
الخيار
3.2
12-112
* الإيكر (4047 متر مربع) =   0.96 من الفدان  (حيث أن الفدان = 4200 متر مربع).
        وهذه كلها مزايا ، إلا أن الأمر لا يخلو من عيوب ، وهذه العيوب قليلة وتلافيها ممكن حيث إنها تتمثل فى:
1- ارتفاع التكاليف الأولية لإنشاء مزرعة لا أرضية. وهذا الأمر لم يعد مشكلة فى ظل توافر معظم تجهيزات المزارع اللاأرضية والتى تستخدم على نطاق واسع فى أنظمة الزراعة التقليدية خاصة تحت الصوب الزراعية (ومن هذه التجهيزات أنظمة الرى بالتنقيط - أجهزة خلط الأسمدة مع مياه الرى - المضخات المائية - ساعات التوقيت - شرائح البلاستيك .....إلخ). كما أن الحصول على كثير من الأحواض والقنوات المناسبة للاستخدام فى المزارع اللاأرضية أصبح ميسوراً فى ظل وجود منتجات البلاستيك المتوفرة فى الأسواق.
2- تحتاج بعض الأنظمة من نوع  الـ Closed system  و Re-circulating solution إلى مصدر دائم للكهرباء. ويمكن عمل بعض التحويرات فى هذه الأنظمة بما يوفر من الطاقة المستخدمة كما يمكن استخدام المضخات التى تعمل بالديزل بدلاً من التى تعمل بالكهرباء أو استخدامهما معاً كما أنه يمكن استخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية فى هذا المجال .
3- هناك بعض الأمراض الفطرية مثل: الفيوزاريوم Fusarium والفرتيسيليوم Verticillium والتى تنتشر بسرعة فى المحاليل المغذية مما تسبب شلل سريع للنباتات، وللتغلب على هذه المشكلة تستخدم أصناف النباتات المقاومة لهذه الأمراض بالإضافة إلى تعقيم المحلول.

        وسوف نستعرض فى هذا الفصل - بمشيئة الله - المحاليل المغذية والشروط الواجب توافرها فيها، وكيفية تحضيرها من الأسمدة التجارية المتوفرة فى الأسواق، ونماذج لبعض المحاليل التجارية فى مصر والعالم. ولمزيد من التفاصيل يمكنكم الرجوع إلى كتاب " الزراعة وإنتاج الغذاء بدون تربة " (أبوالروس وشريف ، سنة 1995).

المحاليل المغذية Nutrient Solution
        إن الزراعة التقليدية تعتمد فى الأساس على ما تقوم به التربة - إلى جانب تدعيم النباتات النامية بها وتوفير التهوية الجيدة لجذورها - من إمداد النباتات بقدر من العناصر الغذائية الضرورية والذى يختلف باختلاف نوع الأرض وخصوبتها والذى ينضب - حتى فى أجود أنواع الأراضى - باستمرار الزراعة وتكثيفها على بقعة بعينها، الأمر الذى يحتم تعويض النقص فى محتوى التربة من العناصر الغذائية باضافة الأسمدة والمخصبات التى تعيد إليها حيويتها وقدرتها على إنتاج المحاصيل. إذاً لا غنى عن استخدام الأسمدة للإستمرار فى عملية الزراعة ، فإذا ما أمكن توفير الدعامة والتهوية الجيدة للنباتات فى أى بيئة غير بيئة الأرض الطبيعية، والتغذية بالأسمدة الذائبة فى الماء فإن ذلك يعتبر زراعة بدون تربة.
        إذاً كل طرق الزراعة اللاأرضية تعتمد بصفة أساسيه على التغذية بواسطة العناصر المغذية الأساسية المذابة فى الماء فيما يعرف بالمحلول المغذى. وهذا المحلول المغذى فضلاً عن كونه بيئة فى حد ذاته إلا أنه يعتبر العامل المحدد فى نجاح أى طريق أخرى من طرق الزراعة اللاألاضية والتى تستهدف تحقيق أعلى إنتاج ممكن من المحصول المنزرع، وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه أو الوصول إليه إلا باستخدام محلول غذائى متزن تتوفر فيه كل عوامل التغذية المثلى، ولذلك ولأهمية هذا الموضوع، فلقد أفردنا له هذا الفصل للتعرف على ما هية المحلول المغذى، وما هى الشروط الواجب توافرها فيه، وأنواع المحاليل المغذية، وكيفية تحضيرها، ومعلومات أساسيه أخرى  تفيد أى دارس لهذا الموضوع.

1- المحلول المغذى:
        المحلول المغذى هو المحلول الذى يحتوى على جميع العناصر الغذائية الضرورية Essential  elements اللازمة لنمو النباتات، وبنسب متوازنة مع بعضها البعض والذى يستخدم  فى إمداد النبات بحاجته من الماء والعناصر الغذائية طوال فترة حياته. ومن الصعب القول بإن هناك ما يسمى بالمحلول المغذى المثالى أو المناسب لكل النباتات أو حتى بالنسبه للنبات الواحد. ويرجع ذلك إلى اختلاف النباتات عن بعضها بالنسبة لاحتياجاتها من العناصر الغذائية الأساسية، بالإضافة إلى اختلاف احتياجات النبات الواحد من العناصر مع تغير مراحل نموه المختلفة إلا أنه وفى كل الأحوال فلا بد أن تتوفر بعض الشروط الأساسية التى لا يمكن تجاهلها أو التغاضى عنها حتى يستطيع المحلول المغذى أداء دوره الأساسى والحيوى فى التغذية.

هناك تعليق واحد:

  1. هل هناك ايه كتب الكترونية بالعربية او الانجليزية اكثر تخصصا و تفصيلا؟؟؟

    ردحذف